ليبيا
هذه الأرض الطيبة والواقعة على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وصاحبة التاريخ العريق الضارب بجذوره في مختلف العصور والحضارات بما يشهد لها من الآثار القديمة منذ زمن الفينيقيين، وفي مراحل من تاريخها احتضنت أرض ليبيا جزءًا من حضارة قرطاج التي أسست مدنا كبيرة في ليبيا من أهمها طرابلس، وكانت حاضرتها تنافس الحضارة الرومانية في ساحات الفنون والآداب والتجارة.
وعلى مد العصور، شكلت الموانئ والمدن الساحلية الليبية نقطة وصل بين الشرق والغرب حيث كان المسافرون والتجار يجدون فيها الراحة أثناء أسفارهم الطويلة. وفي عام 1951 أصبحت ليبيا دولة مستقلة وذات سيادة كاملة على أراضيها بعد أن تخلصت من الاحتلال الإيطالي على يد أبنائها الذين لم تقهرهم الصعوبات. وأصبح لها دور هام على الساحة العربية والدولية بفضل ثرواتها الطبيعية، وبفضل سواعد أبنائها.
إعصار دانيال
يوم الأحد 11 سبتمبر 2023 فوجئت ليبيا بكارثة بيئية وفاجعة كبيرة، فقد ضرب “إعصار دانيال” المدن الساحلية شمال وشرق البلاد مصحوبًا بسقوط أمطار غزيرة، وتسبب الإعصار الذي هب من البحر الأبيض المتوسط إلى ارتفاع منسوب المياه في اثنين من السدود الضخمة ما أدى لانهيارهما، وتدفقَ الماء سيولاً مدمرة جرفت التربة وأدت لهدم الطرق والمنازل والبنية التحتية، ومسحت ما يقرب من ربع مدينة درنة.
أعلنت السلطات الليبية درنة مدينة منكوبة وأطلقت نداءات استغاثة عاجلة. وتضاربت الأنباء حول أعداد الشهداء والمفقودين جراء السيول وذلك لهول الكارثة، فقد دفعت المياه المتدفقة الأجساد إلى البحر وسحبت أجزاء من المدينة نحوه. حتى لحظة الانتهاء من إعداد هذا المقال، تجاوز عدد الشهداء العشرة آلاف فيما تقدر أعداد المفقودين جراء الكارثة أكثر من ذلك بكثير. وإن كان مشهد الجثث التي ألقاها البحر إلى الساحل بعد العاصفة هو الأكثر إيلاماً، فإن مشهد البيوت المهدمة والمنازل المسواة بالأرض والطرق المقطوعة يزيد من الحزن، فقد لحق الدمار بالشجر والحجر حتى باتت أجزاء كبيرة من درنة مدينة أشباح.
الوسائط من الصور ومقاطع الفيديو التي تداولتها القنوات الإعلامية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت إلى جانب صور الأقمار الصناعية، تظهر حجم الدمار الكبير والمرعب الذي حل بالمنطقة، ولكنها تعجز عن وصف الألم الذي يعيشه الناس على الأرض. ففي الوقت الذي ما تزال فيه مشاعر الذهول والصدمة هي المسيطرة، يقوم الناجون من أهالي درنة المنكوبة بدفن المئات من أقربائهم وأصدقائهم في مقابر جماعية بعد التعرف على جثثهم، ولا يزال أمام الناجين من الكارثة الكثير من العمل لتضميد الجراح ولملمة الشعث. وهو عبئ ينبغي أن يشاركهم في حمله ذوو الضمائر الحية والمشاعر الإنسانية الصادقة.
مشروع حياة يولو
في هذا الإطار تطلق حياة يولو حملة الإغاثة العاجلة لدعم ومساندة ليبيا والناس الناجين والمتضررين من ضحايا الكارثة. وتعمل حياة يولو بالتنسيق مع الجهات الرسمية ومع مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا ومع الناشطين الليبيين من أجل تقديم المعونات الأساسية والطارئة والتي يمكن أن يساهم توفيرها في تخفيف آثار الكارثة على الناجين.
من المؤكد أن ليبيا، هذه البلد الصامدة دائما أمام كل التحديات ، ستتجاوز هذه الأزمة. لكن يمكننا جميعًا أن نساهم في تسريع التعافي من خلال تقديم الدعم والمساعدة لليبيا وشعبها لكي تنهض من جديد.
